منوعات

قصة تأميم قناة السويس: ملحمة كفاح مصر من أجل الاستقلال الاقتصادي

في مثل هذا اليوم، قبل 69 عامًا، دوّت أرض مصر بقرارٍ تاريخي، هزّ أركان العالم، وأضاء شعلة الاستقلال والحرية الاقتصادية. قرار تأميم قناة السويس، بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لم يكن مجرد إجراء سياسي، بل كان إعلانًا مدويًا عن إرادة شعب مصر في تقرير مصيره، وتحرير ثرواته من براثن الاستعمار.

مثّلت قناة السويس، شريان التجارة العالمي، رمزًا للنفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي. وبالتأميم، تحولت إلى رمزٍ للسيادة المصرية، وبرهانٍ على قدرة المصريين على مواجهة التحديات.

واليوم، تحتفل مصر بذكرى هذا الحدث التاريخي، الذي جسّد وحدة المصريين وقوتهم. ستظل قصة تأميم قناة السويس محفورة في الذاكرة الوطنية، صفحةً مشرقةً من صفحات الكفاح من أجل الحرية والكرامة، وتأكيدًا على حق الدول في السيطرة على ثرواتها ومواقعها الاستراتيجية.

بداية القصة

تعود جذور القصة إلى عام 1955، حينما بلغت أرباح القناة 35 مليون دولار، بينما لم يتجاوز نصيب مصر المليون جنيه. ومع اقتراب موعد انتهاء امتياز الشركة الفرنسية عام 1968، بدأت قيادة الثورة المصرية في البحث عن حلول جذرية.

وفي مارس 1956، أشار وزير الخارجية البريطاني، خلال زيارته لمصر، إلى أن بلاده تعتبر قناة السويس جزءًا من مجتمع البترول في الشرق الأوسط. فرد عليه الرئيس عبد الناصر بأن الدول العربية تتقاضى 50% من أرباح البترول، بينما لا تحصل مصر سوى على 5% من أرباح القناة، مطالبًا بالمساواة.

قرار التأميم

مع امتلاك بريطانيا 44% من أسهم القناة، أعلنت في مايو 1956 عن ضرورة ضمان مستقبل القناة بعد انتهاء امتيازها. وطلب مدير الشركة الفرنسي من شركات البترول دعمه في مد الامتياز لعشرين عامًا إضافية.

وكانت بريطانيا تخشى من سيطرة الرئيس عبد الناصر على القناة، وترى فيها مؤسسة دولية. إلا أن عبد الناصر، مدركًا لمخططات تدويل القناة، عزم على تأميمها في اللحظة المناسبة.

ويشير جاك جورج بيكو، مدير عام شركة قناة السويس قبل التأميم، إلى أن الشركة حاولت مرارًا مد عقد الامتياز، محذرةً من عودة إدارتها إلى مصر.

قناة السويس
قناة السويس

وقد اعترضت بريطانيا والولايات المتحدة على طلب الشركة، خشيةً من دخول الاتحاد السوفييتي في المفاوضات.

مباحثات التأميم

في أواخر 1955 وأوائل 1956، جرت مباحثات بين مصر والبنك الدولي حول قرض لإنشاء السد العالي. إلا أن الولايات المتحدة تراجعت عن تمويل السد، فكان رد الرئيس عبد الناصر تأميم قناة السويس.

وفي 26 يوليو 1956، أعلن عبد الناصر القرار الجمهوري بتأميم الشركة، لتمويل السد العالي، وتعزيز الدخل القومي.

ترتيبات دقيقة

تمت الترتيبات بدقة متناهية، حيث كلف الرئيس عبد الناصر محمود يونس بالإعداد للعملية. وكانت كلمة السر في خطاب الرئيس هي “ديليسبس”.

وما أن انتهى عبد الناصر من خطابه، حتى أصبحت الشركة تحت السيطرة المصرية. وأصدرت باريس أوامر للموظفين الأجانب بالانسحاب، بهدف إظهار عجز مصر عن إدارة القناة.

إلا أن مصر أحلت مرشدين جدد، ونجحت في إدارة الملاحة بكفاءة، محولةً الحذر إلى ثقة، والقلق إلى إعجاب.

وتوالت الأحداث، وشن العدوان الثلاثي على مصر، وأغلقت القناة، ثم أعيد افتتاحها عام 1957، وأغلقت مرة أخرى، إلى أن أعاد الرئيس السادات افتتاحها في 5 يونيو 1975، بعد انتصار أكتوبر 1973.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى