ما لا تعرفه عن شيخ الصحفيين: شاعر لديوان وحيد .. ومحاولة اغتياله زادته إصرارا
أعرب عدد من كبار الصحفيين والقامات النقابية على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم عن حزنهم للخسارة الكبرى التي مني بها الوسط الصحفي والثقافي في مصر برحيل الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد.
ووصف الكاتب الصحفي حمدي رزق رئيس تحرير مجلة المصور الأسبق، في تصريحات للوكالة، وفاة الكاتب مكرم محمد أحمد بالرحيل لكبير العائلة، الموسوعي الذي يفقه الفن والأدب والثقافة، ورجل الدولة العالم لخبايا السياسة، قائلا إن دار الهلال كانت قبلة للكتاب وقت أن اختاره للانضمام لدار الهلال من روز اليوسف عام ١٩٩٣.
وأكد رزق أن معركة مكرم مع الإرهاب عرضته لمحاولة اغتيال عام ١٩٨٧ على يد تنظيم “الناجون من النار”، ولم يمنعه ذلك من محاورة قادة التنظيمات المتطرفة بسجن العقرب، وحاور البابا شنودة عندما عزله السادات، كما أنه صاحب أهم اختراق صحفي لمصر في إسرائيل في زيارة عارضت تعليمات الرئيس أنور السادات محدثة دويا عنيفا، وقال وقتها “إذا كان من حق الرئيس أن يمنع الصحفيين من السفر فمن حق القارئ أن يعلم” .. وتطرق رزق لمحاكمة مكرم عسكريا باليمن وصدور حكم بالإعدام ضده بناء على معلومات مغلوطة، لتنجح وساطة من محمد حسنين هيكل في إلغاء الحكم.
وأوضح رزق، أن تاريخ مكرم النقابي على نفس القدر من الأهمية والاحترام، فوقف حاميا للحقوق والحريات مع مجالس نقابات قوية، وتبادل موقع النقيب مع إبراهيم نافع.
وفي حديثه عن الصفات الانسانية والمهنية لمكرم محمد أحمد؛ قال حمدي رزق، إنه كان صاحب مصداقية وشريفا، وكان لآخر وقت يتعيش من راتبه من دار الهلال، فلم يتربح أو يدخر كلمة حق، وأضاف ” لم يخش في الحق لومة لائم وكان ضد المديح ويحب من يبصره بأخطائه، ولا يجامل في الحب والكراهية، وفيه صفة الجرأة، وخاض تجربة عريضة في الشئون الدولية والعربية.”
وتابع بقوله إن مكرم حالة إنسانية نادرة؛ أحب الصحفيين ودافع عنهم، وما لا يعرفه كثيرون أنه كان شاعرا وله ديوان لم يطبع غير مرة واحدة في بداية حياته .. وعن ذائقته الأدبية، أشار حمدي رزق إلى أن روايات الهلال اتخذت سمعة واسعة عن طريق اختياراته للنشر بها بذائقة قارئ محترف.
ولفت حمدي رزق، إلى أن مكرم أثرى دار الهلال بسلسلة حوار الاسبوع في مجلة المصور في الفترة من ١٩٨١ إلى ١٩٨٦، وحاور خلالها عمر التلمساني وخالد محمد خالد، وفؤاد سراج الدين، وإبراهيم شكري، وهي المجموعة التي كان السادات اعتقلها وجاءت على مائدة المصور فيما وصف بأهم مصالحة صحفية.
من جهته .. قال عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إن مكرم محمد أحمد صحفي من طراز رفيع ونقابي متميز ونموذج للالتزام، تعرض لأزمات واستطاع أن يخرج منها أقوى مما كان.
وذكر سلامة أن مكرم محمد أحمد انحاز لفكرة الدولة الوطنية، ووضع مجلة المصور في منافسة الكبار، وتابع أن مكرم كان من أشد المدافعين عن خصومه، ويقف معهم بكل قوته.
وذكر أن مكرم محمد أحمد تعرض بعد ٢٥ يناير لاغتيال معنوي، وذكره الرئيس المعزول محمد مرسي بالأسم في خطاب له تحريضا عليه، وكان يهاجمه، ولكن الأستاذ مكرم لم “يقفز من المركب” ويغير قناعاته.
وتابع سلامة “في مجال الصحافة كنت أتعلَّم منه أنه لا يتخل مطلقا عن الورقة والقلم ويدقق جدا في كل معلومة في إطار عمل صحفي خالص، واعتبره ثاني أهم كاتب وقامة صحفية بعد الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل وكان قد وعدني أن يعود لكتابة مقاله الأسبوعي بالأهرام بعد تماثله للشفاء ولكن كان للقدر كلمته”.
ومن جهتها .. قالت الكاتبة الصحفية وسكرتير عام مجلس نقابة الصحفيين الأسبق أمينة شفيق لوكالة أنباء الشرق الاوسط “اعزي الصحفيين في مكرم محمد أحمد، فهو كان قلما نحب القراءة له وكان نقيبا ممتازا خدم الصحفيين واحترمهم وأحبوه، خسرنا قلما و”جرنالجيا”مهنيا”.
بدوره .. قال يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق إن مكرم محمد أحمد يمثل مسيرة عطاء كبيرة، ولا يعرف كثيرون أنه كان عضوا في مجلس نقابة الصحفيين قبل أن يصبح نقيبا، وفصل من الأهرام لتوقيعه على بيان أصدره توفيق الحكيم وأغضب الرئيس الراحل أنور السادات خلال ما سمي عام الحسم، وانتقدوا خلاله الموقف من الحرب بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، ثم عاد مرة أخرى.
ولفت قلاش إلى موقف مكرم الشهير والمثير للجدل بإجراء مجموعة حوارات مع السياسيين من الصقور والحمائم في إسرائيل. لكنه رأى أن مكرم محمد أحمد كان يسير وراء قناعته مهما كلفته واتسم بالجرأة ولم يكن تقليديا، وفي مجلة المصور تجاوز سقف الصحافة، ليجري حوارات مع الرئيس الأسبق حسني مبارك ويفتح ملفات شغلت الرأي العام، ونقابيا، اتخذ مكرم موقفا شجاعا من حبس الدكتور محمد السيد سعيد، وحمدين صباحي.
من جانبها .. قالت الكاتبة الصحفية إيمان رسلان، إن مكرم محمد أحمد كان يصر عند انضمام أي صحفي لدار الهلال أن يمر بكل مراحل التدريب بالإطلاع على الأرشيف، وأضافت “التحقت بقسم التحقيقات مع تخصص التعليم، وكان يقسو علي لكي اتعلَّم وكان الاجتماع الأسبوعي مصنعا للأخبار.”
وأشارت رسلان إلى أن “مجلة المصور تربعت في عهد مكرم محمد أحمد على قمة المجلات المصرية، حيث كنّا نعمل بنظام الجريدة اليومية، ولم انس جملته المتكررة: أنت مندوبة مجلة المصور في وزارة التعليم، وليس العكس وعليك أن تحافظي على استقلالية قرارك”، وأضافت أن مكرم محمد أحمد كان ملك التحقيقات الاستقصائية، قبل أن يظهر هذا الأسم، وفِي عهده استضافت مجلة المصور من أصغر إلى أكبر مسئول، وكان مدرسة في احترام حق الاختلاف.