غياب الكبير!

كان زمان لما الكبير يتكلم.. الناس تسكت.
مش خوفًا.. لكن احترام.
لما الكبير يدخل مجلس، الكل يقوم.
مش نفاقًا.. لكن تقدير.
ولما الكبير يقول كلمة، كانت كأنها ختم على ورقة الحقيقة.
بس النهارده!
فين الكبير؟
وفين هيبته؟
وفين الناس اللي كانت تعرف إن في حد أكبر منها مش بس في العمر، لكن في الحكمة والخبرة والتاريخ؟
زمان، كان في كل شارع “كبير”،
وفي كل عيلة “كبير”،
وفي كل شُغل “كبير”،
وفي كل خناقة “كبير” يفُكّها قبل ما تكبر.
كان الكبير مرجعية.. كان هو بوابة الأمان.. وميزان العقل.
النهارده، بقى الكبير هو صاحب الترند مش صاحب العقل.
بقى الكبير هو اللي صوته أعلى، مش اللي كلامه أوعى.
بقى الكبير هو اللي معاه متابعين، مش اللي معاه بصيرة.
والنتيجة ايه؟
مجتمعات بتمشي من غير بوصلة.
شباب بيغلطوا ومفيش حد يوقفهم بحب.
بيوت بتتهد ومفيش كبير يقول: “عيب، نصلّح منكسّرش”.
أولاد بيزعقوا لأهلهم، وناس بتقول “حرية شخصية”.
وموظفين بيرفعوا صوتهم على مديريهم، ويقولوا “إحنا جيل واعي”.
لا يا سادة، الوعي مش قلة أدب.
والحرية مش إنك تتجاوز حدودك.
والتقدّم مش إنك تلغي اللي قبلك.
الكبير مش بس سن، ده مقام.
والمقام لا يُنال بالشهرة، لكن بالعقل، والتجربة، وصدق النية.
لسه فيه كبار.. بس أصواتهم اتكتمت.
مش لأنهم ضعاف، لكن لأن المجتمع بطل يسمع.
بقى يسمع اللي بيصرّخ، مش اللي بينصح.
يسمع اللي بيرقص، مش اللي بيفكّر.
بس السؤال اللي لازم نجاوب عليه قبل ما نكمل في السكة دي:
لو “الكبار” سكتوا.. مين هيعلّم الصغار؟
ولو الكبير ما بقاش له هيبة.. هتكون المثل فين؟
وهندور على مين لما الدنيا تِتلخبط؟
مين اللي هيقولنا “ارجع ورا.. الطريق ده غلط”؟!
المجتمع محتاج يصالح نفسه مع الكبار.
محتاجين نرجّع قيمة الكلمة، وقيمة الحكمة، وقيمة الاحترام.
مش لازم نتفق معاهم دايمًا،
لكن لازم نعرف إن الكبير هو رمانة الميزان،
اللي لو وقعت .. كله هيختل.
رجّعوا للكبير مكانته،
رجعوها قبل ما نتحوّل لكومبارس في مشهد فوضى… مفيهوش بطل!
لو فضلنا ماشيين نكمل حياتنا كده، من غير حد كبير، يبقى احنا مستعدين نشوف الصغير وهو بيحكم.. وساعتها هيحكم بس بالقسوة مش بالحكمة.