تقارير

ترامب يثير أزمة جديدة: مطالب بمرور مجاني عبر قناة السويس وبنما وسط توتر عالمي متصاعد

يتوقع مراقبون أن يدفع الدبلوماسيون المصريون بفكرة أن الضربات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين لم تحقق بعد هدفها في تأمين حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب، وبالتالي من السابق لأوانه مطالبة مصر أو أوروبا بثمن سياسي أو اقتصادي مقابل عمليات لم تثمر نتائج ملموسة حتى الآن.

وفي تصعيد مفاجئ، أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب طرح مسألة منح السفن الأميركية حرية المرور المجاني ليس فقط عبر قناة بنما، بل امتدت مطالبه لتشمل قناة السويس أيضاً، مما أثار تساؤلات واسعة حول دوافعه الحقيقية وجدية هذه المطالب في ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة.

ترامب يعيد إحياء أطماعه في قناة بنما… والسويس في مرمى المطالب

مقالات ذات صلة

منذ توليه منصبه، عبّر ترامب عن استيائه من اتفاق الرئيس الأسبق جيمي كارتر بتسليم إدارة قناة بنما إلى حكومة بنما عام 1999، معتبراً أن ذلك القرار كبّد الولايات المتحدة خسائر تصل إلى تريليون دولار. ووعد مراراً بالسعي إلى استعادتها إن لزم الأمر.

وفي سياق متصل، تحدث وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث عن توصل بلاده إلى اتفاق مبدئي مع بنما يهدف إلى إعفاء السفن الحربية الأميركية من الرسوم، بحجة القلق من سيطرة شركات صينية على البنية التحتية الحساسة في محيط القناة، الأمر الذي تنفيه السلطات البنمية رسمياً.

رغم ذلك، يواصل ترامب الضغط، مُطالباً بحرية مرور السفن الأميركية عبر قناة بنما بشكل مجاني، مستشهداً بدور بلاده الأساسي في بناء القناة واستمرار تشغيلها.

قناة السويس على خط المواجهة… حقيقة أم أوهام أميركية؟

الأمر المثير للدهشة كان إدخال ترامب قناة السويس في معادلة مطالبه، إذ كتب على منصته “تروث سوشيال” أن الولايات المتحدة لعبت دوراً محورياً في تأسيس وتشغيل القناتين، وهو ادعاء تاريخي خاطئ.

فعلى عكس قناة بنما، لم تسهم الولايات المتحدة في إنشاء قناة السويس، التي بُنيت بين عامي 1859 و1869 بجهود فرنسية ومصرية، بقيادة المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس. وقد دفع عشرات الآلاف من الفلاحين المصريين حياتهم ثمناً لهذا المشروع العملاق.

عند تشييد قناة السويس، كانت الولايات المتحدة منشغلة بحربها الأهلية، ولم تظهر أي مساهمة أو اهتمام أميركي بالقناة في تلك الحقبة.

أزمة السويس 1956… الدوافع الحقيقية خلف التدخل الأميركي

ربما يستند ترامب بشكل غير دقيق إلى التدخل الأميركي خلال أزمة السويس عام 1956، حين أجبرت إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من مصر بعد غزوهم العسكري رداً على قرار الرئيس جمال عبد الناصر تأميم القناة.

غير أن دوافع أيزنهاور كانت أبعد ما تكون عن حماية مصر بقدر ما كانت تهدف إلى تجنيب الولايات المتحدة الانزلاق في مواجهة مع الاتحاد السوفياتي، والحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط بعيداً عن تهمة الإمبريالية الغربية.

وبحسب وثائق معهد وثيقة الحقوق الأميركي، فإن الإدارة الأميركية حينها رأت أن غزو مصر سيعزز المشاعر المناهضة للغرب، وقد يدفع دولاً أخرى نحو التحالف مع موسكو، فضلاً عن الخشية من استنزاف موارد واشنطن في مواجهة غير محسوبة.

حسابات اقتصادية جديدة… وحرب اليمن في خلفية المشهد

تتزامن مطالب ترامب مع النقاشات التي جرت في الإدارة الأميركية حول جدوى الضربات ضد الحوثيين في اليمن، التي كلفت أكثر من مليار دولار حتى الآن.

وخلال نقاشات داخلية مسربة عبر تطبيق “سيغنال”، برر عدد من مستشاري ترامب هذه الضربات بضرورة حماية حرية الملاحة، غير أن آخرين، مثل جي دي فانس، شككوا في جدواها الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة، مطالبين بأن تتحمل أوروبا ومصر نصيباً من التكلفة.

ولهذا، يبدو أن ترامب يحاول الآن تحويل مطالباته إلى خطوات عملية، عبر الضغط للحصول على امتيازات تجارية وملاحية دون مقابل، في محاولة لتعويض نفقات الحرب الجارية.

النفوذ الصيني في الموانئ المصرية… هواجس أميركية متزايدة

في خلفية هذه التطورات، تبرز المخاوف الأميركية من التوسع الصيني في الموانئ المصرية. فقد أشار تقرير صادر عن “معهد الشرق الأوسط” إلى أن الشركات الصينية الحكومية والخاصة عززت وجودها بشكل ملحوظ في موانئ قناة السويس، مما أثار قلق واشنطن من التداعيات العسكرية والاقتصادية المحتملة.

وتخشى الولايات المتحدة أن تتحول هذه الاستثمارات إلى موطئ قدم عسكري للصين في واحدة من أهم الممرات البحرية في العالم، مما قد يهدد التفوق البحري الأميركي في المنطقة، ويؤثر على مصالح حلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل.

موقف القاهرة… بين الرفض والمناورة

من غير المتوقع أن تستجيب القاهرة بسهولة للمطالب الأميركية. فمن ناحية، تدرك مصر أهمية الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

ومن ناحية أخرى، قد تستخدم القاهرة ورقة التعاون الأمني البحري مع واشنطن كورقة تفاوض قوية، مشيرة إلى مساهماتها في حماية الملاحة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي، وقيادتها لفرق العمل الدولية المشتركة.

كما أن مصر قد تسعى إلى تحقيق مكاسب مقابلة، مثل تجديد المفاوضات حول اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة أو الحصول على إعفاءات جمركية، لاسيما مع نية ترامب فرض رسوم جديدة بنسبة 10% على الواردات المصرية.

ختام المشهد: انتظار الموقف البنمي وصراع الإرادات

بينما ينتظر الجميع رد هيئة قناة بنما الرسمي على مطالب ترامب، يستعد وزير الخارجية ماركو روبيو لتقديم إحاطة جديدة حول القضية، في وقت تترقب فيه القاهرة الخطوات الأميركية القادمة بحذر.

وحتى إشعار آخر، تبدو الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد، مع تزايد الضغوط على مصر وأوروبا وسط تنافس محموم على السيطرة على الممرات البحرية الحيوية في عالم مضطرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى