تراجع خطير في تطعيم الأطفال عالميًا يهدد ملايين الأرواح

يشهد العالم تباطؤًا مقلقًا في وتيرة تطعيم الأطفال ضد الأمراض الفتاكة، مما يُنذر بعواقب وخيمة على ملايين الأطفال حول العالم. تؤكد دراسة حديثة نُشرت في مجلة ذا لانسيت البريطانية، على خطورة هذا التراجع، محذرةً من تزايد التفاوتات الاقتصادية، واضطرابات ما بعد جائحة كوفيد-19، وانتشار المعلومات المضللة حول اللقاحات.
تقدمٌ تاريخي يُقابله تراجعٌ مُقلق
شهدت العقود الماضية تقدمًا غير مسبوق في مجال تطعيم الأطفال، حيث نجح برنامج التحصين الأساسي لمنظمة الصحة العالمية في إنقاذ حياة ما يقارب 154 مليون طفل. تضاعفت معدلات التطعيم ضد أمراض خطيرة كالحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا والكزاز والسعال الديكي والسل بين عامي 1980 و2023. لكن هذا التقدم الملحوظ يواجه تحدياتٍ مُعاصرة، أبرزها التراجع المُقلق في معدلات التطعيم خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وكذلك في الدول الغنية.
جائحة كوفيد-19 تُفاقم الأزمة
فاقمت جائحة كوفيد-19 من صعوبات تطعيم الأطفال، حيث حرمت ملايين الأطفال من الحصول على جرعاتهم الأساسية من اللقاحات. تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 13 مليون طفل لم يتلقوا أي جرعة من اللقاحات، فيما حُرم 15.6 مليون طفل من الجرعات الثلاث الكاملة للقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي أو لقاح الحصبة.
تفاوتات صارخة بين دول العالم
تكشف الدراسة عن تفاوتات كبيرة في معدلات التطعيم بين دول العالم، حيث يتركز أكثر من نصف الأطفال غير المُلقحين في ثماني دول فقط، أغلبها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا. يؤكد الخبراء على أن التطعيم الروتيني للأطفال يُعد أحد أهم وأكثر تدخلات الصحة العامة فعالية من حيث التكلفة، إلا أن التفاوتات العالمية وتحديات جائحة كوفيد-19 والمعلومات المضللة تُعيق التقدم المُحرز في هذا المجال. كما تُساهم عوامل أخرى، مثل تزايد أعداد النازحين والنزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية وأزمات المناخ، في تعميق هذه الأزمة.
تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها
نتيجةً لهذا التراجع، يشهد العالم تزايدًا في تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مما يُعرض حياة الملايين للخطر، ويلقي بأعباء اقتصادية إضافية على الدول المُتضررة. على سبيل المثال، سجل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعًا حادًا في حالات الإصابة بالحصبة خلال العام الماضي. كما ظهرت حالات إصابة بشلل الأطفال في مناطق كانت قد تخلصت منه سابقًا، مما يُهدد الجهود العالمية الرامية للقضاء على هذا المرض.
أهداف 2030 في خطر
يُنذر هذا التراجع بتقويض أهداف منظمة الصحة العالمية للتحصين لعام 2030، والتي تهدف إلى تطعيم 90% من الأطفال والمراهقين باللقاحات الأساسية، وخفض عدد الأطفال الذين لم يتلقوا أي جرعة من لقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي إلى النصف. تُشير الدراسة إلى أن 18 دولة فقط قد حققت هذا الهدف حتى الآن. كما أن التخفيضات في المساعدات الدولية الأمريكية تُفاقم من هذه التحديات. وحذر بيل جيتس، مُؤسس شركة مايكروسوفت، من ارتفاع مُحتمل في وفيات الأطفال هذا العام، واصفًا ذلك بـ “المأساة”.