الذكاء الاصطناعي وأحكام الدين: هل يمكن للآلة أن تفتي؟

في ندوة فكرية حاشدة بنكهة مصرية خالصة، انعقدت تحت عنوان “تعزيز الوعي الرقمي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، شهد المعرض الدولي للكتاب نقاشًا ثريًا حول التقاطع الدقيق بين التكنولوجيا الحديثة، والقيم الإنسانية والدينية، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
الإسلام يجمع بين العلم والأخلاق
أكد الدكتور محمد قريش شهاب، عضو مجلس حكماء المسلمين ووزير الشؤون الدينية الأسبق في إندونيسيا، على الترابط الوثيق في الإسلام بين المعرفة والأخلاق، مستشهدًا بقوله تعالى {اقرأ باسم ربك}، مشيرًا إلى أن العلم والتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، سلاح ذو حدين، فإن لم تُضبط ببوصلة القيم الإنسانية والروحية، قد تصبح طريقًا للضياع بدلًا من الهداية.
هل يصحّ الاعتماد على الآلة في الفتوى؟
وحذر شهاب من مغبة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إصدار الأحكام والفتاوى الدينية، لما قد تحمله تلك التقنية من معلومات مغلوطة مستمدة من سياقات ثقافية ودينية بعيدة كل البعد عن البيئة الإسلامية، مؤكدًا على ثلاث قيم محورية يجب أن تُشكِّل الضوابط الأخلاقية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة: كرامة الإنسان، المنفعة العامة، والضبط القيمي.
الذكاء الاصطناعي: أداة لا بديل
من جانبه، أوضح الدكتور ريزي إيكو كاراكا، الباحث البارز في مركز أبحاث البيانات والابتكار، أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنها تبقى أداة، ولا يمكن أن تحل محل الإنسان في التفكير واتخاذ القرار. كما سلَّط الضوء على التحديات الأخلاقية المصاحبة لاستخدام هذه التقنيات، كتهديد الخصوصية، والاعتماد العقلي المفرط على التقنية، وتأثيرها السلبي على البيئة نتيجة استهلاك الطاقة لتشغيل الخوادم، داعيًا إلى ترسيخ ثقافة الاستخدام الواعي والمسؤول للتكنولوجيا، وبناء مرجعيات فكرية وأخلاقية تستند إلى القيم الدينية.
مواجهة التحديات: دورٌ لمجلس حكماء المسلمين
وفي مداخلة قيّمة، شدد الدكتور برتيكنو، وزير التنسيق لشؤون التنمية البشرية والثقافة بإندونيسيا، على ضرورة السيادة الرقمية لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي، وذلك ببناء محتوى محلي قوي، محذرًا من أن غياب هذا المحتوى كمدخلات لتقنيات الذكاء الاصطناعي قد يشوه المفاهيم الدينية ويؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية، داعيًا مؤسسات دينية مرموقة كـمجلس حكماء المسلمين إلى قيادة جهود تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تعكس القيم الإسلامية والأصالة الحضارية.
الذكاء الاصطناعي: ثورة في إطار أخلاقي
وفي الختام، اتفق المشاركون على أن الذكاء الاصطناعي ثورة تقنية غير مسبوقة، لكنه يجب أن يُستخدم في إطار أخلاقي قويم يراعي الخصوصية الدينية والثقافية، ويحمي كرامة الإنسان، ويخدم الصالح العام.