تقارير

غزة تختنق جوعًا

كارثة إنسانية تلوح في الأفق مع استمرار الحصار الإسرائيلي

شبح المجاعة بدأ يرخي بظلاله القاتمة على سكان قطاع غزة المحاصر، حيث أصبح الجوع يفتك بالأطفال واحدًا تلو الآخر، مع إغلاق المخابز أبوابها بسبب نفاد الدقيق، ونفاد مخزونات الغذاء لدى برنامج الأغذية العالمي وسط شحٍ شديد في مياه الشرب.

لم تقتصر حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القصف الجوي والمدفعي العشوائي الذي لا يفرق بين كبير أو صغير، بل تعدّت ذلك إلى استهداف كل مقومات الحياة، حتى بات الموت يحاصر الغزيين بين قصف مدمّر وجوع قاتل ونقص حاد في الأدوية.

الغارات الإسرائيلية لم تهدأ منذ نحو شهرين، يرافقها اجتياح بري وأوامر نزوح قسري أجبرت السكان على مغادرة بيوتهم، في وقت تعاني فيه المستشفيات العاملة من اكتظاظ شديد ونقص فادح في الإمدادات الطبية. ومع إغلاق المخابز وفراغ المستودعات الغذائية، ارتفعت معدلات سوء التغذية إلى مستويات خطيرة.

بتعليمات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أُغلقت جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع دخول آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية. بل وتعمّد جيش الاحتلال استهداف المخابز ومستودعات الطعام، إضافةً إلى قصف محطات تحلية المياه، في محاولة لخنق القطاع جوعًا وعطشًا.

وسط هذه الكارثة المتفاقمة، أطلقت المنظمات الإنسانية الدولية أجراس الخطر. فقد أظهرت دراسة حديثة أن سكان غزة فقدوا ما معدله 18 كيلوغرامًا من أوزانهم نتيجة سياسة التجويع الممنهجة، واضطر كثير منهم إلى تناول أعلاف الحيوانات، ما تسبب في أمراض خطيرة ومضاعفات صحية جسيمة.

وفي تحذير خطير، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه استنفد كل مخزونه الغذائي داخل غزة بسبب الحصار، مشيرًا إلى توقف جميع المخابز المدعومة من قبله منذ 31 مارس/آذار بسبب نفاد الدقيق ووقود الطهي. كما لفت إلى أن المعابر لم تشهد دخول أي مساعدات إنسانية منذ أكثر من سبعة أسابيع.

الأطفال في غزة هم الفئة الأكثر هشاشة، إذ يتهددهم الموت جوعًا، كما أكد رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جوناثان ويتال، محذرًا من أيام حرجة قادمة إذا استمر إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات.

من جانبها، شددت منسقة الشؤون الإنسانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام، روث جيمس، على أن المنظمة ومعها هيئات إنسانية أخرى طالبت مرارًا بفتح المعابر بشكل عاجل لتجنب وقوع مجاعة كارثية.

أما المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليبي لازاريني، فقد أكد أن سياسة إسرائيل الممنهجة تهدف إلى تجويع سكان غزة، واصفًا ما يحدث بأنه “تجويع متعمد بدوافع سياسية”، مع استمرار منع دخول الغذاء والأساسيات الحيوية منذ الثاني من مارس/آذار.

لم تتوقف الدعوات الدولية؛ فقد أصدرت وزارات خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانًا مشتركًا يدعو إلى رفع الحظر عن دخول المساعدات الإنسانية، محذرين من أن نحو مليون طفل فلسطيني يواجهون خطر المجاعة الوشيكة، لكنّ هذه النداءات لم تلقَ آذانًا صاغية.

في مواجهة هذا الوضع الكارثي، حذرت حكومة غزة من أن القطاع يقف على حافة الموت الجماعي، مع انهيار القطاعات الحيوية كافة، مطالبة بفتح ممر إنساني فوري لإنقاذ حياة أكثر من مليوني إنسان، بعد تسجيل 52 حالة وفاة نتيجة الجوع وسوء التغذية، من بينهم 50 طفلًا.

حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دعت إلى تحرك دولي عاجل لإدانة الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، مؤكدة أن إعلان برنامج الأغذية العالمي عن استنفاد مخزونه يؤكد دخول غزة رسميًا مرحلة المجاعة.

وفي مشهد لافت، شهدت مدينة تل أبيب مظاهرة دعت إليها منظمة “آباء ضد اعتقال الأطفال”، حيث رفع المتظاهرون أواني طعام فارغة في إشارة رمزية إلى مأساة المجاعة التي يفرضها الاحتلال على سكان غزة.

ورغم كل النداءات والتحذيرات، يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، عبر سياسة خنق اقتصادي كامل، تسبب في شلل شبه تام لكافة القطاعات الحيوية، وموت بطيء للمدنيين العزل.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال عدوانًا مروعًا أوقع أكثر من 168 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، مع تسجيل أكثر من 11 ألف مفقود، وسط صمت دولي مريب واستهتار صارخ بأبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى