خطبة الجمعة: بين النخلة والمسلم.. دروس في التفكير النقدي

في خطوةٍ تعكس اهتمامها بتنمية الفكر النقدي، حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة لهذا الأسبوع تحت عنوان “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها”. تهدف الخطبة إلى تسليط الضوء على أهمية التفكير النقدي وكيفية تنميته، مستلهمةً رمزية النخلة في القرآن الكريم.
نص خطبة الجمعة: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، منهج حياةٍ يُهتدى به، ونبراس نورٍ يُقتدى. كان صلى الله عليه وسلم معلمًا للأفهام ومربيًا للأنام، فتح الباب أمام عقول أصحابه للاجتهاد والتفكير المبدع، فارتقوا بفضل ذلك إلى مراتبٍ عاليةٍ من الإبداع.
التفكير النقدي في سيرة الرسول
أيها المكرمون، لقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب جلسات العصف الذهني، ليخرج العقل أكثر إبداعًا، وأحد تفكيرًا، وأعمق تحليلًا، وأشد تمييزًا للحق من الباطل. وهذا هو جوهر التفكير النقدي. فعندما سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟»، حثهم على التفكير واستخدام عقولهم، وكانت الإجابة: «هي النخلة». وهذا التشبيه العظيم يبرز المسلم الحق في صورة النخلة، في دوام نفعه واجتهاده، فلا يتوقف خيره ولا يسقط عطاؤه، بل يبقى شامخًا مثمرًا راسخًا على الحق والإيمان.
تأملوا كيف شجع النبي صلى الله عليه وسلم الإبداع والتفكير النقدي. عندما أرسل معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، وسأله: «بم تحكم؟»، أجاب: «بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد رأيي ولا آلو». فرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أيما فرح، وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله». إنها فرحة عظيمة حين رأى نبي العلم والفكر أحد أصحابه يبدع في شرح طريقة التفكير القويم والنظر العليم.
أثر التفكير في تهذيب النفس
إن التفكير يعيد الإنسان إلى رشده، ويرده عن غيه. تذكروا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم بلغة الحوار الهادئ والتفكير المتزن مع شاب طغت الشهوة على عقله فمنعتْه التفكير، جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليقول له: يا نبي الله، أتأذن لي في الزنا؟ فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يستثير فكره وغيرته وإنسانيته، يسأله: أتحبه لأمك؟ أتحبه لابنتك؟ أتحبه لأختك؟ وهو يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداك. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كذلك الناس لا يحبونه. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: «اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه». فعاد الشاب إلى رشده.
غرس قيم التفكير في الأجيال القادمة
اغرسوا في نفوس أولادكم لغة الحوار الهادئ والتفكير المنضبط والدعوة الصادقة، التي تنتج خطاب الرحمة الذي يبني الإنسان ويصنع الحضارة. علموهم أن ديننا الحنيف دين فكر ومعرفة ونقد وتحليل. الشخصية الواعية تنمو إذا سُقيت بماء العلم والهداية، لا الجهالة والضلالة. اجعلوهم يقرأون آيات القرآن بروح جديدة ونفوس واعية: {أفلا تتفكرون}، {أفلا يتفكرون}، {أفلا تعقلون}، {أفلا يعقلون}، {أفلا يتدبرون}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.